حال التنمية الإنسانية في البلدان العربية

حال التنمية الإنسانية في البلدان العربية :
حال التنمية الإنسانية فى البلدان العربية، على خلاف ما يروّج له، مدعاة للقلق الشديد.
إذا اقتصرنا على الحد الأدنى من أحقيات التنمية الإنسانية، تدل البيانات المتاحة، بالرغم من قلتها وقصورها، على قلة إشباع الاحتياجات الأساسية، بل على اتساع دائرة الفقر، فى البلدان العربية.
وقبل الدخول فى بعض تفاصيل، نسارع بالإشارة إلى أن هذه النتيجة يجب ألا تكون مستغربة فى ضوء تردى الناتج الاقتصادى الكلى، والإنتاجية، فى المنطقة العربية. ونستشهد هنا ببيانات البنك الدولى عن منطقة "الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"- وغالبية مشمولاتها من البلدان العربية، والبلدان غير العربية منها أفضل حالا، فى المتوسط، عن الأولى فى الإنتاجية والناتج، والبلدان العربية غير المتضمنة فى المنطقة من أقل دول العالم تقدما.
معدل النمو السنوى للناتج المحلى الإجمالى للعامل (%)،
منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

بالمقارنة بمعدلات النمو الاقتصادى المرتفعة نسبيا التى سادت فترة تصحيح أسعار النفط فى السبعينيات، كانت معدلات النمو فى الإنتاجية فى البلدان العربية سالبة منذ مطلع الثمانينيات، وبدرجة ضخمة ومتزايدة فى البلدان المنتجة للنفط على نطاق واسع. وعلى حين يتوقف التدليل الإحصائى المتضمن فى الشكل عند عام 1993، فلاشك فى أن انهيار سوق النفط فى السنوات الأخيرة قد ساعد على تفاقم تدهور الإنتاجية الاقتصادية فى البلدان العربية. فقد كان السعر الحقيقى للنفط الخام فى عام 1998 يقابل قيمته منذ عشرين عاما، أى ما يقارب قيمته فى الأربعينيات الأخيرة! ولا يخفى ما ترتب على ذلك من صعوبات مالية فى بلدان الوفرة النفطية العربية (فى عام 1998 كان عجز الموازنة العامة فى دولة الكويت الأعلى فى العالم كله).

ويعد انخفاض الإنتاجية أحد التحديات الأساسية فى مضمار التنمية فى البلدان العربية. فوفق بيانات البنك الدولى (تقرير التنمية فى العالم 98/1999) يظهر أن الناتج القومى الإجمالى للفرد فى قوة العمل يقل، فى مجمل البلدان العربية، عن نصف مستواه فى بلدين ناهضين فى العالم الثالث- واحد فى آسيا والثانى فى أمريكا اللاتينية (كوريا الجنوبية والأرجنتين).

وإذا قسّمنا البلدان العربية إلى ثلاث مجموعات حسب مدى مساهمة النفط فى ناتجها الإجمالى، وتضم كل منها حوالى ثلث قوة العمل العربية، لوجدنا مؤشرات أوضح على تدنى الإنتاجية فى البلدان العربية.
فالإنتاجية فى الدول العربية التسع الأغنى بالموارد النفطية- المجموعة الأولى- تتعدى بالكاد نصف الناتج للعامل فى بلدى المقارنة. بينما ينخفض مؤشر الإنتاجية فى البلدان العربية متوسطة الثراء النفطى (تونس وسوريا ومصر) إلى حوالى سدس بلدى المقارنة، وفى الدول العربية الأفقر نفطيا (الأردن، والسودان، والصومال، والمغرب، واليمن، وجيبوتى، ولبنان، وموريتانيا) إلى أقل من العُشر.
ويعنى ذلك أن استبعاد تأثير ريع النفط سيقلل من الإنتاجية فى الاقتصادات العربية إلى مدى أبعد مما يتضح من المقارنة الإجمالية المبسطة.